کد مطلب:187314 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:256

و سلاحه البکاء (10)
ما تزال النجوم مسمرة فی السماء كمسامیر فی لوح كحلی و قد بدا الجو مشحونا بالخطر؛ فالقافلة التی ألقت مراسیها فی هذه البقعة من الأرض تحاصرها قطعان الذئاب.

خرج الحسین یتفقد أرضا ستصبح بعد ساعات میدانا لملحمة عظیمة یتحطم فیها الانسان ولكنه لن یهزم أبدا تتمزق فیها الأجساد الآدمیة اما الروح فستبقی متألقة قویة كما خلقها الله و أودع فیها كلمته.

هتف «الجملی» و كان قد أقلقه خروج الحسین الی أرض یحدق بها الغدر من كل مكان:

- الی أین یا سیدی الحسین. لقد أفزعنی خروجك وحیدا. أخشی علیك الغدر.

- خرجت أتفقد هذه التلال.. أخشی أن تكون مكمنا لهجوم الخیل یوم تحملون و یحملون.

و أردف و هو یشد علی یده بدف ء:



[ صفحه 33]



- انظر... خیامنا مكشوفة الظهر؛ علینا أن نحفر الخنادق حتی لا تفاجئنا الخیل... و الخیام مبعثرة علینا أن نقارب بینها حتی لا ینفذوا خلالها.

هتف الجملی مبهورا برجل لا یعرف الیأس رغم عنف العاصفة:

- سیكون القتال فی جبهة واحدة.

- نعم فی جبهة واحدة...

لم تحن لحظة الفلق بعد عندما دبت فی معسكر الحسین حركة تشبه دوی النحل... النحل الذی لا یعرف غیر العمل.

تشابكت أوتاد الخیام فی عناق صمیمی كأنه یعكس تلاحم القلوب... القلوب التی لا تعرف غیر الحب...

و انبری رجال یحفرون الخنادق لیملأوها حطبا؛ فاذا اشتعلت المعركة تحول الخندق الی خطوط ملتهبة.

شد رجل صحب النبی و شهد معه «احدا» جبینه بعصابة فأضاء مشهد فی ذاكرته.

كان صوت النبی و هو یخطط للمعركة عند جبل أحد مدویا:

- انضحوا الخیل بالنبل، لا یأتونا من خلفنا.

انطلق الرماة الی جبل «عینین» و وصایا النبی فی آذانهم... احموا لنا ظهورنا... ارشقوهم بالنبل فان الخیل لا تقدم علی النبل... انا لا نزال غالبین ما لبثتم مكانكم.

انطفأ المشهد... و بلع الصحابی ریقه بمرارة لأنه تذكر كیف نسی



[ صفحه 34]



الرماة وصایا النبی فاجتاحت خیول قریش جیش محمد و راحت تفتك به كذئاب فی لیلة زمهریر موحشة.

راح یحدق بسبط محمد لكأنه ورث عبقریة جده... رجل لا یعرف للهزیمة معنی... انه یقتحم الموت اقتحاما، ینهال علی صخرة العطش لیفجر منها ینابیع من سلسبیل.

انفلق الفجر و تبین للكائنات الخیط الأبیض من الخیط الأسود. و شیئا فشیئا لاحت من بعید ذری النخیل تحف الشطآن كعیون حوریة شهیدة... و قد نزلت سورة المقاومة.

ها هی الذئاب تعوی أسكرتها شهوة القتل، كدوامة راحت القبائل تدور حول قافلة جاء بها القدر.

كان علی ینوء بنفسه... بجسده الواهن... و قد أخفقت روحه العظیمة أن تنهض به؛ وفار غضب سماوی فی أعماقه و هو ینظر الی والده متقلدا سیف محمد یقاتل أشباه الرجال انهم لا أیمان لهم.

تمتم بغضب:

- یا امة السوء بئسما خلفتم محمدا فی ذریته.

ودمعت عیناه و هو یراقب أباه یستوی علی ناقة. فبدا فی علیائه كنبی یعظ قومه و ینذرهم سوء العذاب. راح یصغی الی كلمات الحسین و قد أشرقت شمس أطول یوم فی التاریخ.

- أیها الناس ان الله تعالی خلق الدنیا فجعلها دار فناء و زوال، متصرفة بأهلها حالا بعد حال؛ فالمغرور من غرته و الشقی من فتنته،



[ صفحه 35]



فلا تغرنكم هذه الدنیا فانها تقطع رجاء من ركن الیها و تخیب طمع من طمع فیها و أراكم قد اجتمعتم علی أمر قد أسخطتم الله فیه علیكم و أعرض بوجهه الكریم عبكم، و أحل بكم نقمته. فنعم الرب ربنا و بئس العبید أنتم. أقررتم بالطاعة و آمنتم بالرسول محمد ثم انكم زحفتم الی ذریته و عترته تریدون قتلهم. لقد استحوذ علیكم الشیطان، فأنساكم ذكر الله العظیم فتبا لكم و لما تریدون. انا لله و انا الیه راجعون. هؤلاء قوم كفروا بعد ایمانهم فبعدا للقوم الظالمین.

كانت الكلمات تنفذ فی قلبه تفجر حزنا و غضبا و دموعا.

غامت المرئیات أمام عینیه، و تلاشت زعقات الرجال و صهیل الخیول، و شعر بروحه تحلق بعیدا حتی لم یعد یشعر بكل ما یجری حوله من أهوال.



[ صفحه 36]